يدخل قانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة يوم غدٍ، الأربعاء، حيز النفاذ، بعد ستة أشهر من إصداره واستكمال المتطلبات التشريعية والفنية والإجرائية لتطبيقه، ليمثل خطوة رائدة في منظومة العدالة وحماية حقوق الطفل في مملكة البحرين، وتتويجاً لريادتها وتميزها في احترام الحقوق والحريات العامة في ظل النهج الإنساني الحكيم لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى أيده الله.
ويشكل هذا القانون قصة نجاح جديدة تضاف إلى المسيرة الحقوقية والتنموية المتواصلة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى ودعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظهما الله، في ظل إقراره بالتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ودخوله حيز النفاذ بمتابعة من السلطة القضائية ممثلة في المجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة، والاستعانة بالخبرات الدولية لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة والمملكة المتحدة، والتشاور مع المجتمع المدني والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
ويمثل قانون العدالة الإصلاحية إضافة نوعية إلى التشريعات الجنائية الحديثة بمنح مصالح الطفل الفضلى الأولوية في جميع الأحكام والقرارات والإجراءات المتعلقة به أياً كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها، وما يوفره من ضمانات عصرية لحماية حقوق الأطفال ووقايتهم من سوء المعاملة والاستغلال أو الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، ورعايتهم صحياً وتعليمياً وتربوياً واجتماعياً، بالتوافق مع الدستور والمعايير الحقوقية العالمية، خصوصاً اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل المنضمة إليها المملكة عام 1991، وبروتوكوليها الاختياريين عام 2004.
وتنفيذًا للمكتسبات الحقوقية الواردة في القانون رقم (4) لسنة 2021، والمكون من (89) مادة، تم إنشاء وتشكيل “محاكم العدالة الإصلاحية للطفل”، وتختص بالفصل في الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم التي يرتكبها الأطفال ممن تجاوزت أعمارهم 15 سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، وإنشاء “اللجنة القضائية للطفولة” وتشكيلها بقرار من وزير العدل، وتختص بالنظر في حالات تعرض الطفل للخطر أو سوء المعاملة المحالة إليها من النيابة المختصة للطفل، مع الاستعانة بخبراء أخصائيين في المجالات الاجتماعية والنفسية، منهم نساء، وتوافر الضمانات الحقوقية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.
حيث أصدر نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، رئيس محكمة التمييز، سعادة المستشار عبدالله بن حسن البوعينين، أربعة قرارات لتنفيذ أحكام القانون؛ الأول بتشكيل محاكم العدالة الإصلاحية للطفل، والثاني بشأن مواعيد انعقاد اللجنة القضائية للطفولة وآلية اتخاذ قراراتها، والثالث تسمية أعضاء اللجنة القضائية المختصة باستبدال العقوبات المقضي بها على الأطفال قبل نفاذ القانون، والقرار الرابع تنظيم آلية عمل اللجنة القضائية المختصة باستبدال العقوبات المحكوم بها على الأطفال وتحديد مواعيد جلساتها.
وأقر النائب العام إنشاء مكتب التنفيذ والرعاية اللاحقة بنيابة الأسرة والطفل، وتم إعداد قاعات محاكم العدالة الإصلاحية للطفل وتجهيزها إدارياً وتقنياً وفصلها عن المحاكم العادية بما يتناسب مع خصوصية الطفل، وتحقيق المزيد من الاستقلالية مع مراعاة الأبعاد النفسية والاجتماعية، مع تزويدها بنظام الاتصال المرئي عن بعد وإتمام الربط الإلكتروني بالنيابة العامة والجهات ذات الصلة.
ويتضمن القانون إلغاء المسؤولية الجنائية عن الأطفال دون سن الخامسة عشرة، ويجوز لمحكمة العدالة الإصلاحية واللجنة القضائية للطفولة فرض عقوبات بديلة أو تدابير حمائية للطفل كونه “مُعرضاً للخطر” في حالة ارتكابه جناية أو جنحة أو كان متسولاً أو مشرداً أو خالط منحرفين أو قام بأعمال تتعلق بالدعارة أو الفسق أو القمار أو المخدرات أو سوء السلوك أو اعتاد الهروب من المدارس أو شارك في مسيرات وتجمعات مخالفة، وتتراوح العقوبات البديلة بين التوبيخ وتوجيه اللوم أو تسليمه إلى ولي أمره أو الاعتذار علناً أو الوضع تحت الاختبار القضائي أو إلحاقه في برامج تدريبية وتأهيلية وتربوية وطنية أو إيداعه في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو المستشفيات، مع إمكانية إقران هذه التدابير بالمراقبة الإلكترونية.
ويوقع القانون عقوبات مخففة على الطفل الذي تجاوز خمس عشرة سنة ميلادية كاملة ولم يتجاوز 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة، فإذا كانت الجريمة عقوبتها الإعدام نزلت العقوبة إلى السجن المؤقت أو الحبس لمدة سنة على الأقل، وإذا كانت عقوبتها السجن المؤبد أو المؤقت نزلت إلى عقوبة الجنحة، وإذا كانت الجنحة حبساً وغرامة معاً، حكم القاضي بإحدى العقوبتين أو الغرامة فقط إذا كان الحبس غير مقيد، كما يجوز الحكم بأحد التدابير البديلة إذا توفر في الجنحة ظرف مخفف، وغيرها من البنود المخففة. وفي جميع الأحوال، لا يجوز إيداع الأطفال أو التحفظ عليهم أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين في مكان واحد، مع ضمان حق الطفل في متابعة تعليمه، مع عدم إلزامه بأداء أية رسوم أو مصاريف للتقاضي، ولا يحبس احتياطياً الطفل الذي لم يتجاوز خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، ويجوز للنيابة المتخصصة للطفل التحفظ عليه لدى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية مدة لا تزيد على أسبوع.
وصدر قرار وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في 12 أغسطس 2021 بتعيين خُبراء مُختصين في المجالات الاجتماعية والنفسية للقيام بأعمال الخبرة أمام محاكم العدالة الإصلاحية للطفل واللجنة القضائية للطفولة وتحديد نظام عملهم، بما في ذلك إنشاء ملف لكل طفل من الأطفال المعروضين أمام المحكمة المختصة أو اللجنة، يتضمن تقريراً كاملاً بحالته التعليمية والنفسية والعقلية والبدنية والاجتماعية، والقيام بزيارات دورية للأطفال المودعين في دور ومؤسسات ومراكز التأهيل والتدريب والرعاية الاجتماعية والمستشفيات أو مراكز الإصلاح والتأهيل، وإعداد تقارير عن حالة الأطفال المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية وسلوكهم أثناء تنفيذها، ورفع التقارير اللازمة مشفوعة بالتوصية المناسبة إلى المحكمة، بشأن استمرار الطفل في تنفيذ التدبير أو العقوبة أو استبدالها بأخرى أو إنهائها، مع متابعة دورية لحالته الاجتماعية والنفسية.
وحدد القانون آليات حماية الطفل من سوء المعاملة، من خلال تفعيل دور مركز حماية الطفل كجهة مركزية تابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ويضم مكاتب فرعية عن وزارات العدل والداخلية والصحة والتربية والتعليم، وتشكيل مجلس إدارته كل ثلاث سنوات بعضوية ممثلين عن الوزارات والمجتمع المدني، ويتولى وضع الخطط والبرامج الكفيلة بوقاية الطفل وحمايته من سوء المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الإهمال أو الاستغلال الاقتصادي، وتوفير العلاج والتأهيل النفسي والدورات التثقيفية والتعليمية، وتلقي الشكاوى والبلاغات عبر الخط الساخن أو النيابة العامة أو الشرطة أو الجهات الرسمية المختصة.
ويكون للأطفال المجني عليهم أو الشهود، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، الحق في الاستماع إليهم وتفهم مطالبهم، ومعاملتهم بما يحفظ كرامتهم وسلامتهم البدنية والنفسية والأدبية، ومساعدتهم صحيًا واجتماعيًا وقانونيًا وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، في ضوء المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة.
ويحظر القانون “استغلال الطفل في مختلف أشكال الإجرام المنظم وغير المنظم، بما في ذلك زرع أفكار التعصب والكراهية فيه، وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع”، أو استدراجه و”استغلاله عبر شبكة الإنترنت أو شبكات المعلومات الأخرى، وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، في أمور منافية للآداب العامة والنظام العام”، كما يفرض عقوبات مشددة ضد إساءة معاملة الأطفال أو الإهمال أو الاستغلال أو تحريضهم على ارتكاب الجرائم أو تعريضهم للخطر، مع حظر نشر أية معلومات أو صور تتعلق بهويتهم دون إذن المحكمة أو النيابة أو اللجنة القضائية للطفولة.
إن مملكة البحرين بقيادة صاحب الجلالة الملك المفدى ودعم صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وبتطبيقها قانون العدالة الإصلاحية للأطفال، إنما تؤكد مضيها في تحديث منظومتها التشريعية والقضائية، وتعزيز إنجازاتها الرائدة في احترام حقوق الإنسان ورعاية الطفولة وترسيخ دولة القانون والمؤسسات الدستورية، وتوطيد مكانتها المرموقة عالميًا من خلال عضويتها الفاعلة في مجلس حقوق الإنسان، ولجنة حقوق الطفل الدولية، وسط إشادة أممية بسجلها المشرف في مجالات التنمية الشاملة والمستدامة.