عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
قطر تغرد خارج السرب العربي
من الطبيعي جدا أن ترفض دولة قطر إصلاح العلاقات العربية مع سوريا وإعادة الدولة الشقيقة إلى حضنها الطبيعي، أي حضنها العربي، وبالتالي فإن إعلان وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن الدوحة لا تنظر في المرحلة الحالية في إمكانية تطبيع علاقاتها مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، بل ويعرب عن أمله في أن «تحجم دول أخرى عن المزيد من الخطوات»، هذا الموقف القطري ينسجم تماما مع الدور الذي لعبته الدوحة طوال السنوات العشر من الأحداث السورية، حيث كانت واحدة من أكبر العواصم تمويلا وتسليحا للجماعات الإرهابية التي دمرت حياة الشعب السوري، وكانت في تناغم تام مع السياسة التركية في هذه المهمة العدوانية الخطيرة التي تسببت في إيصال الأوضاع السورية إلى الحالة التي عليها الآن.
طوال الأزمة السورية الممتدة لأكثر من عشر سنوات، مثلت قطر دور العراب في هذه الأزمة وما يشبه رأس الحربة بيد الجماعات الإرهابية جراء قيادتها عملية التمويل والتسليح لهذه الجماعات، فالدوحة لم تخف موقفها المناهض للنظام في سوريا، وهذا شأن سياسي يعنيها بالدرجة الأولى ومن حقها أن تحدد موقفها وعلاقاتها من هذا النظام أو ذاك، لكن المأخذ على السياسة القطرية تجاه الأزمة السورية، لا يكمن في الموقف القطري من نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإنما في علاقة قطر بالجماعات الإرهابية في البلد الشقيق وتنسيقها مع النظام التركي في دوره المهدد لوحدة وسلامة سوريا، أرضا وشعبا.
من حق دولة قطر أن ترفض التطبيع مع سوريا وأن تواصل مقاطعتها، فهذه قرارات تخصها وبيدها الأخذ بها أو تعديلها والعدول عنها، أما ما يتعلق بتحرك ودوران قاطرة ترميم وإعادة تطبيع علاقات العديد من الدول العربية من سوريا، فهذا ليس شأنها قطريا وليس بإمكان الدوحة وقف دوران هذه القاطرة، فكل المؤشرات تقول إن سوريا عائدة إلى حضنها الطبيعي، ومن هو حريص حقا على وحدة وسلامة الشعب السوري ووحدة التراب الوطني لسوريا، لا يمكن أن يقف إلى جانب من عمل على تخريب سوريا وتشريد شعبها.
فهناك العديد من الدول العربية، التي دخلت علاقاتها مع سوريا في حالة من الجمود أو حتى القطيعة، تكشفت أمامها حقيقة ما تتعرض له سوريا، وأهداف القوى الإقليمية، وفي مقدمتها تركيا، من وراء تشجيع وتأييد ودعم الجماعات الإرهابية، أو ما تسمى بقوى المعارضة السورية، فتركيا التي تقمصت، كما هو حال قطر، المطالب المشروعة للشعب السوري، هي الآن تحتل أجزاء واسعة من الأراضي السورية وتهدد بين الفينة والأخرى بتوسيع الرقعة الجغرافية لهذا الاحتلال، فهناك تحول حقيقي وفعلي وتطور إيجابي في العلاقات مع سوريا، سواء شاءت قطر أم أبت.
وسواء حضرت سوريا اجتماع القمة العربية بالجزائر المزمع عقدها في شهر مارس القادم، فإن ذلك لن يغير من تأثير هذه التحولات على العلاقات العربية السورية، وخاصة أن هناك دولا عربية تدفع بقوة نحو عودة سوريا إلى موقعها الطبيعي كواحدة من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، فحضور سوريا من عدمه ليس هو جوهر ولب قضية هذه العلاقات، وإنما الأهم من ذلك هو دوران عجلة العودة إلى العلاقات الطبيعية التي يجب أن تكون بين جميع الدول العربية، بغض النظر عن تفاوت المواقف السياسية أو اختلافها حول هذه القضية أو تلك، ومن الخطأ جدا أن تسهم أي من الدول العربية في تخريب وتدمير دول شقيقة، كما هو الحال مع سوريا.
نعم هناك مآخذ على تصرفات الحكومة السورية خلال سنوات الأزمة، وهناك انتقادات للطريقة التي تعاملت بها مع الاحتجاجات التي بدأت سلمية، وهي احتجاجات مشروعة طالما انحصرت في هذا السلوك الحضاري السلمي ورفعت المطالب المشروعة التي يستحقها الشعب السوري كغيره من شعوب العالم، وهي مطالب تستحق الدعم والتأييد، لكن الذي حدث هو عكس ذلك، فهذا المطالب اختطفتها الجماعات الإرهابية والعديد من الدول ومنها قطر، واتخذت منها غطاء لتحقيق أهداف لا علاقة لها بهذه المطالب وبمصالح الشعب السوري الشقيق، في مقدمة هذه الأهداف القذف بسوريا إلى أتون الجحيم الذي قذفت فيه العراق وليبيا.
الحقيقة التي يجب أن تعرفها قطر، وهي لا تحتاج إلى براهين وأدلة أكثر مما هو حاصل على أرض الواقع، هذه الحقيقة تكمن في أن سوريا، حكومة وشعبا لم ترتكب جرما بحق دولة قطر أو بحق الشعب القطري الشقيق، بل إن العكس هو الذي حدث، فقطر هي المذنبة بحق سوريا، فالدوحة لم تقف إلى جانب المطالب المشروعة للشعب السوري، سوى لفظيا، وفي الواقع فهي وقفت على جانب من أساء للشعب السوري ودمر حياته ومستقبل أبنائه، أي الجماعات الإرهابية التي بدون الدعم القطري وغيره، ما كانت لتقدر على مواصلة الأعمال الإجرامية والتدمير والتخريب على مدى أكثر من عشر سنوات متواصلة.