أكد النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين أن إقامة مؤتمر “تعزيز التعاون القضائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: القضاة والمدعون العامون في طليعة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي يقام في مملكة البحرين يأتي ليؤكد عمق مملكة البحرين الإقليمي وثقلها الدولي كجزء في النظام المالي العالمي، موضحا جهود المملكة في مواجهة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب مما يساهم في تعزيز قدرات سلطات إنفاذ القانون وتجاوز الصعوبات والتحديات التي قد تصادف التعاون القضائي الدولي من خلال التعرف على الممارسات الفاعلة في إزاء هذا النمط من الجرائم.
وبين البوعينين أن انعقاد المؤتمر يدل على جدية مملكة البحرين في إجراءات المكافحة، والذي تبوأت به مكانة دولية متقدمة بسبب ما تضمنه منظومتها التشريعية والمؤسسية من نجاحات في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تهدد أمن الدول واستقرارها الاقتصادي، منوهاً بأهمية دور التعاون القضائي في هذا الصدد، والجهود الصادقة والمؤثرة التي تبذلها المملكة في مكافحة تلك الجرائم، اتفاقاً مع مسئولياتها ومبادئها في هذا الشأن من أجل إنفاذ القانون على الحد من التدفقات المالية غير المشروعة، والحيلولة دون استخدام عائدات الجريمة المنظمة.
جاء ذلك خلال افتتاح المؤتمر الذي نظمته النيابة العامة تحت رعاية النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين بالتعاون مع المعهد الدولي للعدالة الجنائية وحقوق الإنسان بسيراكوزا والمكتب العالمي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التابع للاتحاد الأوروبي، إذ أفتتح المؤتمر بحضور المستشار عبدالله بن حسن البوعينين نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز، والسيد رشيد بن محمد المعراج محافظ مصرف البحرين المركزي، ومعالي الشيخ خالد بن علي آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وسفراء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، والسيد جان فرانسوا ثوني المدعي العام السابق بفرنسا ورئيس المعهد الدولي للعدالة الجنائية وحقوق الإنسان بسيراكوزا ـ إيطاليا، والسيد ديفيد هوت رئيس المكتب العالمي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالاتحاد الأوروبي، والسيد سليمان الجابرين السكرتير التنفيذي لمجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويشارك فيه عدد من الخبراء الدوليين ولفيف من القضاة وأعضاء النيابة العامة بمملكة البحرين ودول مختلفة، فضلاً عن ممثلي عدد من الجهات ذات الاختصاص في الداخل والخارج، والذي تستمر فعالياته حتى الرابع والعشرين من هذا الشهر.
وقال النائب العام إن هذا المؤتمر يأتي بهدف تعزيز التعاون بين الدول من أجل ترسيخ الجهود الدولية والاقليمية لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والمساهمة في دعم الدور الفاعل لأجهزة إنفاذ القانون في مكافحتها، كما ويساهم في معالجة الصعوبات والتحديات التي تواجه التعاون القضائي الدولي من خلال التعرف على أبرز الممارسات الفاعلة في مواجهة ذلك النمط من الجرائم.
وبين البوعينين أن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب بعموم أنواعها تُمثل أحد التهديدات الأمنية التي يواجهها المجتمع الدولي وتمثل خطراً ينال من استقرار المجتمعات ويضعف من مقوماتها، وذلك بالنظر إلى اتساع نطاقها الشخصي والمكاني وتعدد وسائلها لتتجاوز بذلك الحدود الوطنية لكل دولة وتضحى عابرة لها، فضلاً عن أن خطر تلك الجرائم قد تخطى المفهوم المباشر للأمن ليمتد إلى النيل من أمن الـدول واسـتقرارها اقتصادياً من خلال دعم وتمويل الأنشطة الإرهابية على نحو من شأنه الانحراف بمكتسباتها عن اتجاههـا الصحيح وتقويض جهـود التنميـة الراميـة إلى ضمان التـوازن الاقتصادي.
ولفت البوعينين إلى أن وجود الاتفاقيات الدولية لمكافحة تلك الجرائم لم يكن كافياً لتحقيق مقاصدها دون وضع أطر وآليات التعاون القضائي الدولي واستيعاب عناصره وفق معايير دولية تراعي الإطار المؤسسي والتشريعي الوطني في إطار من التكامل بين الشبكات الوطنية والاقليمية الفاعلة في مجال المكافحة، هو ما دفع أجهزتنا المعنية بتطبيق القانون وإنفاذ أحكامه إلى استخلاص أحكام تلك الاتفاقيات وصياغتها في شكل دليل ارشادي يضمن متابعة اجراءات تنفيذ طلبات المساعدة المتعلقة بتسليم المتهمين والمحكوم عليهم واسترداد الموجودات وتنفيذ الإنابات والأحكام القضائية الدولية وتبادل المعلومات ،بما يضمن دقة وسرعة الإنجاز وتمكين السلطات من الملاحقة الجنائية على الصعيد الدولي بفاعلية وفق متطلبات الاتفاقيات الدولية.
ومن جانبه قال فيليب كومير المستشار الإقليمي لدول الخليج لمكافحة الإرهاب و الأمن في الاتحاد الأوروبي إن مؤتمر المنامة يعتبر المؤتمر الثالث رسميًا الذي يهدف إلى تعزيز التعاون القضائي في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقال أن مملكة البحرين كانت دائما محركاً ومستشاراً لهذا المشروع ، من هنا وجبت أهمية التشخيص وتحديد الهدف ، لكي يتمتع التعاون القضائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مكافحة الإرهاب ومكافحة غسل الأموال بقدرة كبيرة على التحسين.
وأكد أن هذا المؤتمر مثال على التطور السريع والقوي لطموحنا المشترك على مستوى المنطقة، إذ تطورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل تدريجي، وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي نظم الشهر الماضي مؤتمرا في الرياض مع ممثلين عن دول مجلس التعاون الخليجي ودول مجلس التعاون الخليجي حول التعاون القضائي، وتم التركيز على المساعدة القانونية المتبادلة واقتراح تطوير بوابة إلكترونية على الإنترنت بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
ولفت إلى أهمية إنشاء بيئة أكثر أمانًا وأفضل تنظيماً وجديرة بالثقة وتتميز بالشفافية في المعاملات المالية ، فدور العدالة حيوي يستوجب تحسين قدرات المحاكم ، والنيابة العامة ، وكفاءة الشبكة، على جانب العمل من أجل رفع معدلات الإدانة واسترداد الأصول وردع الأنشطة الإجرامية.
واستعرض بعض السياسات الأوروبية التي أدت إلى التقدم في التعاون القضائي عبر الحدود ، إذ بدأت العملية بخطوات صغيرة وبسيطة نحو بناء الثقة والتفاهم والشراكات، واليوم ومع هذا المؤتمر بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول التعاون القضائي ، فإن مصلحتنا المشتركة هي توسيع هذا المستوى من الثقة الذي نشأ بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليشمل العلاقة القضائية بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
و قال جان فرانسوا ثوني المدعي العام الفخري ورئيس معهد سيراكوزا للعدالة الجنائية وحقوق الإنسان أن العالم اليوم يعيش لحظة خاصة للغاية في مكافحة الجريمة المنظمة والجريمة المالية هذا المؤتمر ليس واحداً من المؤتمرات العديدة التي تم عقدها حول مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، هذه واحدة من عدد قليل ، إن لم تكن المرة الأولى ، التي يُمنح فيها القضاة والمدعون العامون من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة للجلوس معًا مع وحدات الاستخبارات المالية لمناقشة التحديات التي يواجهونها في مقاضاة والفصل في قضايا غسل الأموال ومصادرة الأصول الإجرامية.
وأضاف فرانسوا أن الكثيرون لا يفهمون أن تقديم أولئك الذين يغسلون الأصول الإجرامية ، أو يمولون الإرهاب ، مع الاحترام الكامل لسيادة القانون وحماية الحقوق الأساسية ، ليس بالمهمة السهلة ، وأحيانًا مهمة مستحيلة ، أمام المحكمة وإصدار الأحكام فمن السهل إلقاء اللوم على أنظمة العدالة الجنائية إذا كان المجرمون لا يزالون مطلقي السراح ، ولكن كم مرة أتيحت للقضاة والمدعين العامين الفرصة لتوضيح أن المعلومات الاستخباراتية ليست دليلاً، وأن الشك لا يعني الإدانة، وأن أنظمة العدالة لديها للامتثال لسيادة القانون وأن الأدلة الإدارية، أو الأدلة السياسية، ليست دائما أدلة قضائية.
وأوضح فرانسوا أن على القضاة والمدعون العامون من جميع أنحاء المنطقة العمل معًا لحل المشاكل القانونية التي يواجهونها والمساهمة في مكافحة الجريمة المنظمة ، وحرمان العصابات الإجرامية من أصولها غير المشروعة، واعتبر أن الفرصة فريدة والجميع مدينون بها لمملكة البحرين و للمفوضية الأوروبية، ولفت إلى دور معهد سيراكوزا الدولي للعدالة الجنائية وحقوق الإنسان، الذي ظل على مدى الخمسين عامًا الماضية، يعمل جنبًا إلى جنب مع الحكومات وسلطات العدالة في بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط ??لجعل مكافحة الجريمة الدولية متوافقة مع حماية الحقوق الأساسية.
وقال فرانسوا أن القضاة والمدعون العامون، وقادة وحدات الاستخبارات المالية قطعوا شوطًا طويلاً من جميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحد من الجريمة المنظمة والجريمة المالية، فالأموال القذرة تدمر الأرواح والمجتمعات، وتجعل المنظمات الإجرامية والإرهابية قوية وخطيرة وعليه فإن حرمان المجرمين من أرباحهم الإجرامية هو أكثر زاوية هجوم فعالة في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب .
ومن جانبه شارك سليمان الجبرين الحضور بمقتطفات من بعض الموضوعات ذات الصلة بهذا الحدث المهم، والتي تقع ضمن اختصاص عمل المجموعة فيما يتعلق بمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح إذ أوضح أن في عصرنا الحالي وبخاصة في العقود الأخيرة، برزت بشكل لافت مخاطر جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، وآثارها على استقرار النظام المالي والاقتصادي لأي دولة والعالم ككل، ودعا ذلك المجتمع الدولي إلى لالتفاف حول معايير دولية موحدة لمحاربة هذه الظواهر، فكان إنشاء مجموعة العمل المالي في العام 1989م، وما نتج عنه من إصدارها لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح من نسختها الأولى مروراً بتعديلاتها الجوهرية وانتهاءً بشكلها الحالي المعروف بالتوصيات الأربعين.
وقال من هنا أنشئت مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب على غرار مجموعة العمل المالي (FATF) في العام 2004م، وتعمل المجموعة عبر الدول الأعضاء والمراقبين لديها وبشكل مستمر على تطبيق ونشر السياسات والمعايير الدولية ذات العلاقة وتعزيز الالتزام بها بشكل فعال، خاصة التوصيات الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF) أو ما يعرف بالتوصيات الأربعين، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وضمان التزام الدول الأعضاء بتلك المعايير من خلال عمليات التقييم المتبادل ومراجعة النظم والتدابير المطبقة، والعمل على مساعدتهم لتحسين مستوى التزامهم بالتوصيات الأربعين من خلال تقديم التدريب والمساعدات الفنية اللازمة.
وأضاف الجبرين أن من أهم أطراف منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح؛ القضاة والمدعين العامين، حيث أن الجوانب المتصلة بأعمالهم أساسية للتطبيق الفعال للمعايير الدولية في إطار منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويشمل ذلك التحقيق والمقاضاة في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتبادل المعلومات في التحقيقات بين مختلف الجهات المحلية والدولية بما فيها تنفيذ طلبات المساعدة القانونية والتعاون القضائي المتبادلة.
وقال من المحاور الهامة، ضبط ومصادرة متحصلات وأدوات الجريمة، والتحقيقات المالية الموازية للتحقيقات الجنائية وموضوع تعقب الأصول واسترداد الأموال والأصول، وإدارة الأصول المصادرة. وهذا يتطلب منح الأجهزة السلطات والصلاحيات اللازمة للقيام بعملها، والعمل على مشاركة المعلومات والبيانات وتمكين الجهات المعنية من الوصول لها ومبادلتها في وقت قياسي.
وختم بتوضيح أن موضوع تبادل المعلومات يعتبر بمثابة القلب النابض بين أطراف منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، هو جوهر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بين الدول، وهو ما أكدته العديد من التوصيات والنتائج المباشرة في معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادرة عن مجموعة العمل المالي، وذلك مثل التوصية الثانية والنتيجة المباشرة الأولى والتوصيات المرتبطة بها، حيث يعتبر عاملا حاسما في توفير أساس قوي لتأكيد الاشتباه وتقديم البينات التي تقود المجرمين إلى ردهات العدالة، وهنا لابد من الإشارة إلى الدور المهم لوحدات المعلومات المالية والتعاون بينها وبين جهات القانون والادعاء، وضرورة تعزيز دور وحدات الاستخبارات المالية في التحقيقات المالية الموازية؛ فضلاً عن تفعيل الآليات الرسمية وغير الرسمية للتعاون بين القضاء والادعاء.
وتتمثل فعاليات المؤتمر في مجموعة من الجلسات تتناول موضوعات عديدة تتعلق بدور التعاون القضائي في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واستعراض الاستراتيجيات الوطنية وضمان فعالية التحقيقات والمحاكمات في مواجهة هذا النوع من الجرائم، والتحديات التي تصادف الجهود الدولية في هذا الشأن بخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وصولاً إلى توصيات معززة للجهود الدولية، ويحاضر فيها مجموعة من الخبراء الدوليين ومن القضاة وأعضاء النيابة العامة.
كتبت سماح علام