قرنان من الزمان هو عمر العلاقات التاريخية التي تربط مملكة البحرين بالمملكة المتحدة والتي تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إلا أن العام 1816 كان بداية لإعادة تشكيل العلاقات عبر التوصل إلى معاهدة الصداقة لترسيخ التحالف وحماية المصالح المشتركة بين الطرفين، وسرعان ما تحول هذا الاتفاق إلى معاهدة رسمية في عام 1820 سميت “المعاهدة العامة للسلام” والتي تعززت أعوام 1861 و1880 و 1892م.
ولقد كان لهذه الاتفاقيات التي وقعت تلك الفترة آثارها المهمة، إذ أكدت في حينها الشخصية القانونية للبحرين ومؤسساتها الإدارية، ووفرت لها الحماية وأقرت استقلاليتها، وعززت من موقعها كمركز استراتيجي للحركة التجارية، فضلاً عن ضمان الأمن والاستقرار في الإقليم الخليجي ككل.
وعلى مدى السنوات الـ 206 الماضية، تطورت ونمت العلاقات البحرينية – البريطانية وتوطدت روابطها بشكل متميز ليس فقط على الصعيد الرسمي كدولتين صديقتين فحسب ولكن تمتعت تلك العلاقات بما هو أبعد وأكثر رحابة عبر تواصل أواصر الصداقة والتقارب بين العائلتين الملكيتين، وقد ساهم ذلك في تعزيز مستوى التفاهم والتنسيق الرفيع بين القيادتين في البلدين والاهتمامات والمصالح الثنائية والإقليمية والدولية المشتركة، والعلاقات الدبلوماسية الرفيعة والزيارات المتبادلة التي توليها قيادتا البلدين اهتمامًا كبيرًا.
إن علاقات الصداقة الثنائية التي تجمع مملكة البحرين بالمملكة المتحدة لا يمكن التعامل معها باعتبارها مجرد علاقات رسمية ودبلوماسية بين الدول فحسب بل أن تاريخ الصداقة يعكس ما هو أكثر عمقًا وتقاربًا على الصعيد الإنساني بين العائلتين الملكيتين تعكسه علاقة المودة والصداقة والاحترام التي يتبادلها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء مع الأسرة الملكية البريطانية ممثلة في جلالة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، وجلالة الملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا، والتي تعود إلى أول زيارة رسمية قامت بها الملكة الراحلة للبحرين في منتصف شهر فبراير عام 1979 في عهد المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه.
وفي عام 1986 – قام ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز أمير ويلز آنذاك بزيارته الثانية لمملكة البحرين في إطار جولة خليجية.
أما الزيارة الثالثة لتشارلز الثالث فكانت في 26 فبراير عام 2007م في إطار جولة خليجية استمرت عشرة أيام رافقته خلالها قرينته الأميرة كاميلا، حيث التقى خلالها حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم وصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وكانت زيارة ناجحة بكل المقاييس أعطت مؤشرًا إيجابيًا على مدى قوة ومتانة العلاقات بين البلدين كما تعكس مدى ما تحظى به مملكة البحرين من مكانة كبيرة لدى الأوساط الأوروبية والدولية نظرًا لسياستها الخارجية المتزنة التي تنشد السلام والاستقرار.
وفي عام 2016م احتفلت مملكة البحرين بذكرى مرور 200 عام على العلاقات البحرينية – البريطانية، وتجسيد مدى عمق العلاقات الودية والتاريخية القائمة بين البلدين والشعبين الصديقين، والرغبة الصادقة في تدعيم أطر التعاون والترابط بينهما، خاصة عقب الزيارة التي قام بها الأمير تشارلز ولي العهد المملكة المتحدة آنذاك لمملكة البحرين في نوفمبر 2016، وعقب حضور حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم مهرجان ويندسور للفروسية في العام نفسه، حيث تم تدشين كتاب “تاريخ العلاقات البحرينية البريطانية خلال مئتي عام “.
لقد امتزجت الزيارات المتبادلة بين العائلتين الملكيتين بين الرسمية والودية، ولعل التقارب في الاهتمامات والهوايات الرياضية المشتركة التي جمعت بين جلالة العاهل المعظم وجلالة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية ساهم في توطيد العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
وقام جلالة الملك المعظم بزيارات عديدة لبريطانيا آخرها حضور جلالته لمهرجان وندسور الملكي للفروسية في مايو الماضي 2022 بدعوة من جلالة الملكة إليزابيث الثانية، كما قام جلالته بزيارات رسمية لبريطانيا منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد وهي زيارات لا تنقطع كونها انعكاسًا لعمق ومتانة العلاقات التي تربط المملكتين الصديقتين.
على مدار العقود، شهدت العلاقات بين البلدين الصديقين تطورًا ونموًا ملحوظًا أضاف لعمق الشراكة الثنائية التي أخذت في التوسع وتُرجمت بتوقيع العديد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون ومذكرات التفاهم بهدف رفع مستوى الشراكة والتنسيق الثنائي في عدة مجالات مختلفة منها السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها.
ولقد شكّل مطلع العام 1935 نقلة نوعية في مسيرة العلاقات بين البلدين الصديقين وبداية لفصل سياسي واقتصادي وثقافي جديد قائم على الاحترام والمودة والشراكة في أعقاب نقل القاعدة البحرية البريطانية الرئيسية في الخليج إلى مملكة البحرين، تبعه توقيع معاهدة الصداقة بين البحرين وبريطانيا عام 1971م.
وتتمتع الشراكة البحرينية البريطانية بخصوصية تعود إلى التاريخ القديم الذي جمع البلدين لا سيما في القطاع الاقتصادي والاستثماري والمصرفي حيث تعد البحرين مقرًا إقليميًا لعدد كبير من الشركات والمؤسسات التجارية والمالية والبنوك والمصارف البريطانية ذات النشاط الدولي برؤوس أموال واستثمارات هائلة أخذت في النمو بفضل السياسات والتشريعات الاقتصادية المثالية التي توفرها حكومة مملكة البحرين للقطاع الاستثماري على أراضيها، كما ساعد على تسهيل هذه الأنشطة الاتفاقيات التي وقعها البلدان في هذا الخصوص مثل اتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات عام 2006، واتفاق تعاون بين سوق البحرين للأوراق المالية وسوق لندن للأوراق المالية عام 2007م، ومذكرتي تفاهم بين حكومتي البلدين في المجالات المرتبطة بالقطاع الجمركي عام 2008م وغيرها العديد من الاتفاقيات التي تقف شاهدة على عمق العلاقات التاريخية المتجذرة بين المملكتين قيادةً وحكومةً وشعبًا.