أكّدت الإحصائيات الرسمية الأخيرة انخفاض منحنى وفيات مرض فقر الدم المنجلي (السكلر) في مملكة البحرين بنسبةٍ تصل إلى 42% مقارنة بين الأعوام (2012-2016) و(2017-2021)، وذلك في ظل الاهتمام الكبير الذي توليه المملكة لملف أمراض الدم الوراثية، وعلى رأسها مرض فقر الدم المنجلي (السكلر)، وسعيها إلى تمكين جميع المواطنين والمقيمين من الحصول على رعاية صحية شاملة ونوعية ومستدامة.
وبدأ اهتمام مملكة البحرين بهذا الملف في وقتٍ مبكر، عبر إطلاق برنامج مكافحة الأمراض الوراثية وإنشاء وحدة أمراض الدم الوراثية بمجمع السلمانية الطبي في العام 1984، والتي أصبحت في العام 2014 مركزاً متخصصاً لأمراض الدم الوراثية لتقديم الرعاية الصحية المتقدمة لمرضى أمراض الدم الوراثية بشكلٍ عام، ومرضى فقر الدم المنجلي (السكلر) بشكلٍ خاص.
كما كانت المملكة سبّاقة في تدشين خدمة فحص ما قبل الزواج لمكافحة الأمراض الوراثية في العام 1993، والذي أصبح فحصاً إلزامياً بالعام 2004، وذلك في خطوةٍ هامّة لرفع الوعي المجتمعي والحدّ من انتشار الأمراض الوراثية، إضافة إلى إنشاء أوّل عيادة للألم المزمن في العام 2012.
ومع هذه الخطوات الاستباقية، تحرص مملكة البحرين على أن تكون البروتوكولات العلاجية المطبّقة على المرضى مطابقة لأحدث البروتوكولات المعتمدة عالمياً، وتسعى إلى توفير أحدث العلاجات الطبية، والتي كان آخرها دواء (كريزانليزوماب)، والذي يُعدّ أول علاجٍ مُكتشف منذ 20 عاماً لعلاج مرضى (السكلر)، والذي وجّه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، بإدخاله ضمن البروتوكول العلاجي للمرضى في مملكة البحرين بعد استكمال التجارب السريرية اللازمة، والذي تم البدء فعلياً في إدخاله ضمن البروتوكول العلاجي مطلع العام الجاري، من خلال عيادة خاصة في مركز أمراض الدم الوراثية، والتي استهدفت في المرحلة الأولى 80 مريضاً، وذلك ما يؤكّد الحرص على صحة وسلامة المجتمع واعتبارها أولوية قصوى دائمة.
وفي سياقٍ متصل؛ شهدت عملية نقل واستبدال الدم لمرضى (السكلر) نقلة نوعية، حيث تمّ توفير جهاز طبي متطور يستغرق ساعة واحدة فقط لإنهاء الإجراء عوضاً عن 8 ساعات معمولٌ بها في السابق. كما تم تعزيز الخدمات العلاجية الرئيسية بخدماتٍ مساندة متميزة، بدءاً بمختبر متقدم للجينات، يختص بدراسة أمراض الدم الوراثية والتشخيص الدقيق باستخدام أحدث الأجهزة والمعدات المختبرية، إضافة إلى افتتاح عيادة الآلام المزمنة والتي تقدم من ضمن خدماتها الرعاية لمرضى (السكلر)، لمساعدتهم في التعامل مع نوبات الألم والتحكم بها عبر الأدوية والعادات الصحية المناسبة مع المتابعة الدورية المستمرة، فضلاً عن التسهيلات التي تم تدشينها في إطار الرعاية الصحية كخدمة (التطبيب عن بُعد) والتي تُتيح لمرضى (السكلر) الحصول على الاستشارة الطبية عن بُعد عوضاً عن الحضور الشخصي، بالإضافة إلى تدشين الخط الساخن.
إلى جانب ذلك؛ تم توفير الكوادر الصحية المؤهلة والمتخصصة في التعامل مع الحالة الصحية لمرضى (السكلر)، واستحداث المسميات الوظيفية المتخصصة في هذا الشأن، مع تعزيز خبرات هذه الكوادر عبر برنامج (الطبيب الزائر) الذي يتيح الالتقاء باستشاريين وأطباء متخصصين من مختلف دول العالم، بما يُعزز المعارف الطبية. كما تم تدشين برنامج تعليم مستمر لتدريب الطاقم التمريضي على الرعاية الخاصة بمرضى (السكلر)، فضلاً عن عقد الورش التدريبية المتنوعة التي تستهدف رفع كفاءة الطواقم الطبية والتمريضية والفنية والإدارية بشكلٍ عام، بالإضافة إلى تنظيم المؤتمرات والندوات العلمية التي تساهم في مواكبة المستجدات الصحية على الصعيد العالمي بما ينعكس إيجاباً على الخدمات المقدمة.
كما تمّ إيلاء البحوث والدراسات الطبية أهمية بالغة، لما لها من أثرٍ كبير في تحسين الخدمات الصحية، حيث تمّ تشجيع الكوادر الصحية على إجراء الدراسات العلمية التي تتناول التجربة العلاجية لمرضى (السكلر)، سواءً على صعيد الخدمات التشخيصية والعلاجية، أو على صعيد الإجراءات والسياسات المُتّبعة، أو على صعيد الوقاية والتوعية المتخصصة، بالإضافة إلى المتابعة المستمرة لمؤشرات القياس على كافة المستويات، بهدف التقييم المستمر ورصد فرص التحسين الممكنة.
وستستمر المنظومة الصحية بمملكة البحرين في مساعيها للتعزيز المستمر للكفاءة، وفق أعلى معايير الشفافية، بما يطوّر الخدمات الصحية المُقدّمة لكافة المرضى، ويُلبي الاحتياجات الصحية للجميع عبر نظام رعاية صحية شامل ومستدام.